سورة الرعد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله تعالى: {ولو أن قرآناً سُيِّرت به الجبال} سبب نزولها أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو وسَّعت لنا أودية مكة بالقرآن، وسيَّرت جبالها فاحترثناها، وأحييت من مات منا، فنزلت هذه الآية، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال الزبير بن العوّام: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يسيِّر عنا هذه الجبال ويفجِّر لنا الأرض أنهاراً فنزرع، أو يحيي لنا موتانا فنكلمهم، أو يصيّر هذه الصخرة ذهباً فتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فقد كان للأنبياء آيات، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إِلا أن كذَّب بها الأولون} [الاسراء: 59]. ومعنى قوله: {أو قطِّعت به الأرض} أي: شقِّقت فجُعلت أنهاراً، {أو كلِّم به الموتى} أي: أُحيوا حتى كلّموا.
واختلفوا في جواب {لو} على قولين:
أحدهما: أنه محذوف. وفي تقدير الكلام قولان: أحدهما: أن تقديره: لكان هذا القرآن، ذكره الفراء، وابن قتيبة. قال قتادة: لو فُعل هذا بقرآن غيرِ قرآنكم. لفُعل بقرآنكم. والثاني: أن تقديره: لو كان هذا كلّه لما آمنوا. ودليله قوله تعالى: {ولو أننا نزَّلنا إِليهم الملائكة...} إِلى آخر الآية [الأنعام: 111]، قاله الزجاج.
والثاني: أن جواب {لو} مقدَّم، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنزلنا عليهم ما سألوا، ذكره الفراء أيضاً.
قوله تعالى: {بل لله الأمر جميعاً} أي: لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإِذا لم يشأْ، لم ينفع ما اقترحوا من الآيات. ثم أكد ذلك بقوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أفلم يتبيَّن، رواه العَوفي عن ابن عباس، وروى عنه عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك، ويقول: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وأبي مالك، ومقاتل.
والثاني: أفلم يعلم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد. وقال ابن قتيبة: ويقال: هي لغة للنَّخَع {ييأس} بمعنى يعلم قال الشاعر:
أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي *** أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فَارِسَ زَهْدَمِ
وإِنما وقع اليأس في مكان العلِم، لأن في علمك الشيء وتيقُّنك به يأسَك من غيره.
والثالث: أن المعنى: قد يئس الذين آمنوا أن يَهدوا واحداً، ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً، قاله أبو العالية.
والرابع: أفلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائي. وقال الزجاج: المعنى عندي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إِيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون، لأنه لو شاء لهدى الناس جميعاً.
قوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم جميع الكفار، قاله ابن السائب. والثاني: كفار مكة، قاله مقاتل.
فأما القارعة، فقال الزجاج: هي في اللغة: النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم.
وفي المراد بها هاهنا قولان:
أحدهما: أنها عذاب من السماء، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: السرايا والطلائع التي كان يُنفِذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عكرمة.
وفي قوله: {أو تَحُلُّ قريباً من دارهم} قولان:
أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: أو تَحُلُّ أنت يا محمد، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة.
والثاني: أنها القارعة، قاله الحسن.
وفي قوله: {حتى يأتيَ وعد الله} قولان:
أحدهما: فتح مكة، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: القيامة، قاله الحسن.


قوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} يعني: نفسه عز وجل. ومعنى القيام هاهنا: التولي لأمور خَلقه، والتدبير لأرزاقهم وآجالهم، وإِحصاء أعمالهم للجزاء، والمعنى: أفمن هو مجازي كلّ نفس بما كسبت، يثيبها إِذا أحسنت، ويأخذها بما جنت، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام؟ قال الفراء: فتُرك جوابه، لأن المعنى معلوم، وقد بيَّنه بعد هذا بقوله: {وجعلوا لله شركاء} كأنه قيل: كشركائهم.
قوله تعالى: {قل سمَّوهم} أي: بما يستحقونه من الصفات وإِضافةِ الأفعال إِليهم إِن كانوا شركاء لله كما يُسمى الله بالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، ولو سمَّوهم بشيء من هذا لكذبوا.
قوله تعالى: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} هذا استفهام منقطع مما قبله، والمعنى: فإن سمَّوهم بصفات الله، فقل لهم: أتنبئونه، أي: أتخبرونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلم لنفسه شريكاً، ولو كان لَعَلِمَه.
قوله تعالى: {أم بظاهر من القول} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أم بظن من القول، قاله مجاهد. والثاني: بباطل، قاله قتادة. والثالث: بكلام لا أصل له ولا حقيقة.
قوله تعالى: {بل زُيِّن للذين كفروا مكرُهم} قال ابن عباس: زين لهم الشيطان الكفر.
قوله تعالى: {وصدّوا عن السبيل} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {وَصَدُّوا} بفتح الصاد، ومثله في حم المؤمن [غافر: 37]. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {وصُدُّوا} بالضم فيهما. فمن فتح، أراد: صَدُّوا المسلمين، إِما عن الإِيمان، أو عن البيت الحرام. ومن ضم، أراد: صدهم الله عن سبيل الهدى.


قوله تعالى: {لهم عذاب في الحياة الدنيا} وهو القتل، والأسر، والسقم، فهو لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمنين كفَّارة، {ولعذاب الآخرة أشق} أي: أشد {وما لهم من الله من واق} أي: مانع يقيهم عذابه.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11